«قرر البابا شنودة الثالث أن يقتصر الاحتفال بعيد جلوسه هذا العام على لقائه مع أعضاء المجمع المقدس فى السيمنار الخاص بهم كعادته كل عام.. التوقيع: شنودة».
بهذه الكلمات المختصرة، ودون إبداء أسباب صدر مساء أمس الأول البيان المكتوب والموقع بخط يد البابا شنودة الثالث معلنا شكلا من الإلغاء للاحتفالات الجماعية التى اعتادت الكاتدرائية، فى ذكرى جلوس البابا، إقامتها على مدى 39 سنة بانتظام كامل لم توقفه سوى سنوات الإقامة الجبرية فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، ابتداء من سبتمبر 1981، بأمر من الرئيس الراحل السادات، وحتى خروجه قبيل عيد الميلاد فى يناير 1984 بأمر من الرئيس محمد حسنى مبارك.
فى العام 1981 وقبيل وضعه قيد الإقامة الجبرية بأيام، كان البابا قد أعلن إلغاء الاحتفالات والاستقبالات فى عيد الميلاد احتجاجا على سياسات أضرت بالأقباط فى خضم صعود العنف الطائفى، إلا أن البابا لم يكررها طوال سنوات رئاسة مبارك الـ29.
إلغاء الكاتدرائية لاحتفالات البابا هذا العام، يأتى بعيدا عن أجواء سبتمبر، وفى سياق ما يتم إعلانه فإن العلاقات بين البابا والرئيس وقيادات الحزب الوطنى الحاكم، جيدة بشكل عام، وإن شهدت عدة توترات خلال الأشهر الماضية أهمها إحجام الحزب الوطنى عن ترشيح الأقباط على قوائمه التى لم يظهر فيها سوى عشرة أقباط من أصل 700 مرشح من بينهم رجال ترفضهم الكنيسة مثل عبد الرحيم الغول نائب نجع حمادى، وغاب عن أقباطه العشرة أسماء تدعمها الكنيسة مثل النائبة جورجيت قلينى، حتى ولو أتت فى تعيينات مبارك العشرة المعروفة.
السبب الثانى للتوتر، والذى يمثل بحسب عدة مصادر كنسية، سببا لامتناع البابا عن إقامة احتفال واسع، هو المظاهرات السلفية التى تخرج ضد البابا منذ 14 أسبوعا، وقد اعتبر الأنبا شنودة، كما أعلن فى التليفزيون المصرى، أن تكراراها دليل على تخاذل المسئولين عن وقفها.
مظاهرات السلفيين ربطها عدة رجال دين، منهم القس شنودة حكيم راعى الكنيسة القبطية فى بغداد فى اتصال مع «الشروق»، مع التهديدات الأخيرة التى وجهها تنظيم القاعدة فى العراق للكنيسة القبطية يطالبها بما اسماه «الإفراج عن المأسورات» فى إشارة إلى وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، وهى العائق (الثالث) الذى تسبب فى تردد الكنيسة فى إعلان مكان إجراء الاحتفالات بين الكاتدرائية ودير وادى النطرون، إلى أن ألغاها البابا كليا.
حادث كنيسة سيدة النجاة فى العراق، كان مانعا رابعا محتملا وفقا لعدد من أساقفة المجمع المقدس المنعقد حتى ظهر أمس السبت فى الكاتدرائية، وهو السبب الذى دعا من أجله نشطاء أقباط مهجريون منهم مجدى خليل إلى عدة تظاهرات فى دول أوروبية، ودعا آخرون إلى وقفة احتجاجية بالشموع أمام سفارة بغداد فى القاهرة.
احتفالات الكاتدرائية بعيد جلوس البابا أخذت بعدا جديدا منذ العام 2007، حين أقام التيار العلمانى القبطى مؤتمره الأول فى نفس يوم الاحتفال وأصدر أحد الأديرة كتابا يشكك فيه فى صحة اجراءات وصول البابا شنودة إلى سدة الكرسى البابوى، بينما كان الوضع الصحى للبابا متدهورا وهو ما دفعه إلى السفر للعلاج فى أمريكا عقب الاحتفال بعيد جلوسه بأيام.
فى العام التالى سافر البابا لمدة أربعة أشهر عقب إصابته ببحبكر فى عظمة الحوض، وأصر على أن يعود إلى القاهرة قبيل عيد رسامته بأيام، لإقامة الاحتفال فى موعده. جميع الأسباب التى يمكن أن تمنع البابا من إقامة الاحتفال على مدى السنوات الثلاث الماضية مازالت قائمة،
فبالإضافة إلى الموانع الأربعة السابقة فإن البابا عانى من كدمات عقب سقوطه، تضاربت الأنباء حول خطورتها قبل أقل من أسبوع، وتأكدت الشائعات حول خلاف عميق بين اثنين من أساقفة سكرتارية البابا بشكل معلن وغير مسبوق، والقوانين التى يريدها البابا مازالت معطلة فالقانون الموحد لدور العبادة أو قانون الأحوال الشخصية للأقباط لم ير أى منهما النور.
واستمر الخلاف بينه وبين المعارضة الكنسية التى تستعد لإعادة نشر ملفات مستقبل الكنيسة من بعده، كما عادت الاحتجاجات تتردد حول تكاليف الاحتفال، ولم تظهر «الحمامة» التى ردد أقباط أنها ظهرت فى عظة البابا قبيل عيد جلوس البابا العام الماضى، واعتبرها الأنبا بيشوى سكرتير المجمع المقدس تأييدا من السماء لاختيار البابا بالقرعة، وكانت شعار الاحتفال العام الماضى.